حساب القرايا والسرايا وهيمنة الغرب | كتاب عمون

هناك مثل شعبي يقول: (حساب القرايا ليس مثل حساب السرايا). وكان هذا المثل شائعاً في زمن العثمانيين، وكان يستخدم لتوضيح الفرق الكبير بين الفكر والتنفيذ، والفجوة بين الحاكم والمحكوم. القرى تمثل الرعايا والقصور تمثل السلطة. نادرا ما تتطابق حساباتهم.

وعادة ما تتعرض الكتائب باستمرار لانتقادات من القرى. اليوم هناك انتقادات كثيرة في كافة الاتجاهات للسماح لإسرائيل بالاحتكار لأهلنا في غزة وشن حرب إبادة غير مسبوقة ضدهم، دون اتخاذ أي خطوة عملية جادة لصد العدوان عليهم، سوى الإدانة والإدانة لمن يفعل ذلك. . لا يرضي أو يرضي الجوع.

الموقف التركي من العدوان:
تركيا، على سبيل المثال، كان لها نصيبها العادل من التلميح والافتراء في انتقاد موقفها كدولة فيما يحدث في غزة من حرب ضروس وفظائع يرتكبها المغتصبون الصهاينة ضد المدنيين العزل هناك، انتقاما. لهم بعد أن خسر العدو الحرب الخاطفة التي شنتها المقاومة في 7 تشرين الأول الماضي، والتي كادت أن تؤدي إلى انهيار الكيان بأكمله.

صحيح أن الانتقادات طالت جميع الدول العربية والإسلامية، لكن تركيا تحملت وطأة الانتقادات لعدة أسباب. ويتطلع إليها عامة الناس، العرب والمسلمين على حد سواء، بأمل، لما لها من مكانة دولية في عالم اليوم، وبروزها كقوة صاعدة لا يستهان بها على الساحة الدولية. بالإضافة إلى التقدم في كافة المجالات.

تركيا والآمال الكبيرة المعلقة عليها:
وكان من الطبيعي أن يكون الجمهور متعلقاً بتركيا إلى درجة أنهم يتمنون لو أن البلاد لديها القدرة على حل مشاكل العالم الإسلامي بضغطة زر واحدة. هذا الارتباط بتركيا على مدى السنوات العشرين الماضية يرتكز بالدرجة الأولى على الخطاب السياسي السائد داخل الحزب الحاكم، حزب العدالة والتنمية. ثانياً، اعتمدت البلاد على «الكاريزما» والجاذبية المقنعة لرئيسها رجب طيب أردوغان، الذي أصبح نجماً سياسياً على المستوى العالمي.

وهكذا رفع الناس توقعاتهم وأمنياتهم وطموحاتهم وآمالهم العريضة فيما يمكن أن تفعله تركيا، إلى حد يفوق قدرات البلاد ورئيسها وحزبها الحاكم. ولذلك شعر الناس بنوع من خيبة الأمل عندما عادوا إلى رشدهم واكتشفوا محدودية تركيا ورئيسها في التدخل لوقف العدوان على غزة. وكان الشعور بالذنب يساوي الحب، كما يقولون.

حسابات سياسية معقدة:
الحسابات السياسية معقدة جداً، ودقيقة جداً، ولا يوجد مجال كبير للمناورة، ولا يريد أي مسؤول أن يتخذ قراراً بنتيجة عكسية، خاصة في بلد مثل تركيا حيث تتربص أطراف كثيرة في دوائر. هذه البركات والعطايا الإلهية جعلت الناس مفتونين بتركيا ورئيسها لأنه يتمتع بالمكر والدهاء والذكاء السياسي ويقود بلاده إلى بر الأمان بحذر شديد حتى تتمكن من الاستمرار في تولي موقعها القيادي.

وهي نفس الأمور التي سلطها أردوغان وتركيا على الأضواء، وركزت عليها أنظار العرب والمسلمين. وهي نفس الأمور التي جلبت لهم عداء الغرب، والخوف من استمرار تركيا في تقدمها إلى آفاق بعيدة. وبذلك خرجت من هيمنتها على العالم.

ينظر الغربيون اليوم إلى تركيا نظرة مشبوهة، بسبب تقدمها واستقلالها وطموحاتها الكبيرة وصعودها السريع. ويرافق ذلك حالة من الخوف من توسع نفوذها في المنطقة، والخروج تحت عباءة الغرب والإفلات من سيطرته، الدولة التي تدور في فلكه منذ تأسيس جمهورية أتاتورك. حتى قبل ذلك.

الخلاصة: حقل ألغام:
لذا ندرك أن أحد أسباب الانتقادات التي تعرض لها الموقف التركي منذ بداية العدوان على غزة هو التوقعات الكبيرة التي وضعها الناس عليه. كما نتفهم الأسباب التي تدفع تركيا إلى الصبر والبطء، وعدم الانجراف في الانفعالات التي يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على البلاد، خاصة أن البلاد لا تزال في طريقها إلى القمة، وسط حقل ألغام، مما يتركها لا مجال للأخطاء. العراق ليس ببعيد عنا.

source : www.ammonnews.net

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *