اعتقال كتاب

قصيدة فلسطين.. هل كانت النغمة الحماسية على حساب القيمة الجمالية؟

محمود خير الله

وبقيت قضية العرب المركزية حاضرة بقوة في الشعر العربي. مع مرور الوقت، تباينت تفاعلات الشعراء العرب مع الجرح الفلسطيني النازف. وها هو أمير الشعراء أحمد شوقي (1868-1932) يشكو فلسطين التي تعرضت لعدة اعتداءات قبل نكبة 1948، قائلاً:

كانت الرغبات ساحقة وذهب الضغط

كانت ليلتي مليئة بالحزن

نعم! لو أمكن يا روح الأسرار

لم أبق في جلستي للحظة واحدة

لقد فتنت بتلك الغابة

في الأماكن التي تم تنظيفها من التلوث

لقد كان القلب مشتاقًا لفترة طويلة

وشغف الرغبة هو البيت الحرام

ورغم أن الشاعر المصري علي محمود طه (1901-1949) عرف بميوله الرومانسية، إلا أنه صاحب إحدى أشهر القصائد الشعرية التي ألقيت خلال الثورة الفلسطينية عام 1936، من ألحان وغنى محمد عبد الوهاب، وافتتاحية الذي يقرأ:

يا أخي لقد تمادى الظالمون

فالجهاد خير والنجاة خير

مؤمن سمير

كتبت الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان (1917-2003) ضد دعوات اليأس والإحباط بعد هزيمة 5 يونيو 1967:

قال لي عندما التقينا ذات يوم

أنا ضائع في الهزيمة

اصبر ولا تضعف يا ابن عمي

هذه هي الأرض التي حصدتها نيران الجريمة

والذي ينكمش اليوم في الحزن والصمت

هذا الوطن وقلبه الخائن سيعيشان ولن يموتا أبدًا

أما الشاعر نزار قباني (1923-1998) فله العديد من القصائد والجولات في هذا السياق، منها هذه القصيدة التي يخاطب فيها الاحتلال من خلال أفواه المقاتلين الفلسطينيين قائلاً:

لن تجعل شعبنا

الشعب الهندي الأحمر

نبقى هنا

في هذا البلد يتم ارتداؤها على معصمها

سوار مصنوع من الزهور…

في ديوان «كونشيرتو القدس»، يأخذ الشاعر أدونيس مقاربة جديدة لمدينة القدس، ينتقل من الغناء إلى الهمس، ويتناول جانباً آخر من المدينة التي أصبحت موضوع صراع مرير.

دخلت العاشق حديقة منزلها في القدس حيث يعيش حبيبها

وتحولت كل الزهور إلى شباك تحيط بخطواتها

سمير درويش

فضحكت وقالت: هل يجب أن أخيط لكل زهرة فستاناً؟

يبدو الشاعر الفلسطيني محمود درويش (1941-2008) هو الأقرب إلى ذاكرتنا عندما يستذكر فلسطين شعرياً، حيث أن كتاباته مليئة بالشعر الغنائي العميق الذي يحب القارئ العادي، بالإضافة إلى المهارة في استخدام اللغة، وتلفت انتباه القارئ. على وتر السخرية والدهشة، كما في قصيدته الشهيرة “على هذه الأرض”:

لا يوجد شيء على هذه الأرض يستحق العيش.

على هذه الأرض سيدة الأرض

أم البداية وأم النهاية

كانت تسمى فلسطين. وكانت تسمى فلسطين

لكن عموماً هل سادت اللهجة الحماسية على حساب القيم الجمالية؟ وما العلاقة بين الشكل والمضمون في هذا السياق؟ فهل صحيح أن قصيدة النثر لم تهتم بالقضية الفلسطينية، فهي قصيدة لا تهتم بـ”القضايا المهمة” وتهتم فقط بالتفاصيل الإنسانية البسيطة؟

وهذه آراء بعض الشعراء المصريين:

صلاح اللقاني: أصبحت ديوان العرب

وإذا قلنا أن الشعر هو ديوان العرب، فيمكننا أن نضيف أن الشعر هو ديوان القضية الفلسطينية. ولم يكن هناك جنس أدبي يمكن أن ينافس الشعر في تفاعله وتعاطفه مع مأساة احتلال فلسطين، إذ كان الشغل الشاغل للضمير العربي عبر التاريخ. منذ “يا أخي لقد تجاوز الظالمون الحدود” حتى آخر مساهمة باللغة العربية الفصحى أو العامية، ظلت فلسطين جرحا ينزف على الورق وعلى الهواء وعلى القنوات التلفزيونية. وهي شبيهة بالآية الرأسية أو التعفعية. فحتى قصيدة النثر التي تهرب من القضايا الكبرى ومعاناة الذات الفردية تحت وطأة لحظتها الوجودية لا تستطيع أن تنأى بنفسها عن نار تلك القضية، حتى لو لم يظهر ذلك في العناوين العامة. على العكس من ذلك، مع عذابها وسحقها تحت صخرة غير إنسانية. وفلسطين حاضرة في القصيدة من خلال عناوين الصحف أو جماليات الشعر الرفيع. فكل إنسان على قدر كفاءته في الشعر، كما على موهبته وثقافته، ولأن الشعراء كثيرون والشعر قليل، فمن الطبيعي أن نجد تعبيراً عن ذلك في كل الكتابات الشعرية.

أحمد الشهاوي

أحمد الشهاوي: المهم هو معنى الشعر

هناك المئات من الشعراء الذين كتبوا آلاف القصائد عن فلسطين، ومنهم من رواد الحداثة الشعرية. لكن لم يبق من تلك المجلدات والكتب الهائلة سوى نصوص قليلة ونجت عبر مرشح الزمن، وكانت بعيدة عن الخطاب الحماسي والتوجيه السياسي، ولم تكن صدى لحزب أو تنظيم أو أيديولوجية. على سبيل المثال، تبرأ الشاعر محمود درويش من نصوصه القديمة التي اتسمت بالحساسية المباشرة، ورفض تلاوتها مرة أخرى بناء على طلب الجمهور العربي، والجمهور الفلسطيني بشكل خاص.

أنا لا أهتم بالشكل الفني للقصيدة بقدر ما يعنيني “الشعر” نفسه، والأهمية التي يوليها الشاعر للنص بروحه ولا يضع “الحرفية” فوق أي شيء آخر.

محمود خيرالله: فلسطين هي جوهر قصيدة النثر

ما أسهل القول إن قصيدة النثر تبدو بعيدة عن ذلك الموضوع، لكن الأصعب هو إثبات ذلك. أعتقد أنه من المنطقي أن تكون القضية الفلسطينية أولوية أولى في كثير من الشعر الفلسطيني، سواء العمودي أو النثر أو النثر، وسواء كان الشاعر فلسطينيا بالولادة، أو بالروابط العائلية، في الداخل أو الخارج، والشعراء الفلسطينيون الذين نقشوا ولا يمكن حصر سببها في ذاكرة قصائد النثر؛ لكن البساطة هي التي جعلت الاهتمام المفرط بنموذج محمود درويش سببا في جهل وصمت وإقصاء ما لا يقل عن ثلاثة أجيال من الشعراء الفلسطينيين، الذين يكتبون قصائد النثر في الداخل والخارج، وفلسطين هويتهم وهويتهم الأولى والأخيرة. ومنهم من رحل ومنهم من يقاوم إلى يومنا هذا مثل: مريد. البرغوثي، وليد خزندار، طه محمد علي، زكريا محمد، خالد درويش، غسان زقطان، بشير شلش، محب البرغوثي، خالد جمعة، وليد السويركي، فاتنة الغرة وغيرهم الكثير.

حاولت إثبات خصوصية قصيدة النثر الفلسطينية في كتاب أعددته عن تجربة الشاعر طه ​​محمد علي (1930-2011) بعنوان “فتى الفراشات الملونة.. مختارات من شعر طه ​​الفلسطيني محمد علي، الصادر عام 2017 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. وضمن سلسلة “الإبداع العربي” يريد أن يثبت لأجيال من الشعراء والنقاد في مصر أن مهارة ووعي شاعر النثر يدفعه إلى الكتابة عن قضايا كبرى مثل “مسألة الوطن”، مستخدما مناهج جديدة تخصه أكثر من القصيدة العمودية أو المنطوقة التي استوعبت واستهلكت الحماس والتكرار.

سمير درويش: لقد تجاوزت السطح بنبرة أعمق

لم تحظى أي قضية في تاريخ الإنسانية بقدر الاهتمام الذي حظيت به القضية الفلسطينية والصراع بشكل عام، من حيث الشعر المعبر عن هذه القضية ومذكراتها، لدرجة أنه عندما يذكر اسم فلسطين الشاعر الكبير محمود درويش أفكر في مجموعة كبيرة من الشعراء الفلسطينيين، مثل عبد الرحيم محمود وفدوى. وإبراهيم طوقان وإبراهيم الخطيب وسميح القاسم… وغيرهم من الشعراء العرب في كل البلاد العربية الذين كتبوا عنها الكثير. لها، وكتبت عنها مثل كثيرين آخرين. يتهم بعض النقاد الشعر بأنه تقريري، وأنا لا أتفق مع ذلك. قيمة الشعر وجماله مرتبطان بقيمة وشعرية الشاعر نفسه، و”الوضوح” ليس عيبا في حد ذاته، بل هو مرتبط بالتوظيف، وعن نفسي أحب أشعار محمود درويش التي يتهمونها صيحات مثل: «سجل أنا عربي»، «خبز أمي»، «تسبيح من الظل العالي»، «بيروت نجمتنا الأخيرة»، «أحمد الزعتر»… وغيرها.

صحيح أن الشعراء لم يعودوا يكتبون عن القضية كما فعلوا في النصف الأخير من القرن العشرين، حتى الشعراء الفلسطينيين أنفسهم، وذلك لأسباب عديدة أهمها أن القضية أخذت منحى مختلفا بعد كامب ديفيد. ووادي عربة وأوسلو ومدريد والحكم الذاتي وانفصال غزة، مما أدى إلى تراجع النضال الفلسطيني وتحويله إلى عمليات محددة، جعل الشعراء يتعاملون مع فلسطين وقضيتها بطريقة أكثر هدوءا، ويرتبط ذلك بمناسبات هذه العمليات بالذات. أنشطة. كما أن التحول الجمالي من الشعر إلى «قصيدة النثر» جعلها تتناول قضايا جدلية ذاتية وهامشية ومرفوضة. لكن هذا يبقى شكليا في نظري، إذ أن هذه القضايا المهمة، وخاصة القضية الفلسطينية، حاضرة دائما، لكن من جانبها الإنساني استبدل الشعراء اللغة الهامسة، فتعمقوا في الأزمات النفسية والعاطفية التي خلفها الظلم والقمع والانتهاكات. الاحتلال… وهذا موجود دائمًا، حتى لو لم يكن ظاهرًا على السطح.

مؤمن سمير: ثنائية الألم والأمل

ولعله من الطبيعي أن يرى كثيرون أن مبرر الأداء الشعري الحماسي والصاخب يجسد صدق الإحساس المزدوج بالألم والأمل عندما نتعامل شعريا مع فلسطين، ولكن عندما يضيق الحديث ويمتد من “الأمر” إلى “الأمر”. “الشعر” يختلف حتما، ولهذا السبب فإن ديوان الشعر العربي مليء بالمواعظ الحماسية. ومن المفيد إبقاء شعلة الحلم مشتعلة. ولكن ليس بالضرورة أن يخدم تطور الشعر، بحيث يكون “الوطني” إن التقدم والتراجع “الشعري” يتم على مسافة أميال وأميال، وقد لا يكون هناك فرق في القيمة بين الإطار العمودي أو الإطار التمكيني الآخر، لكن المقارنة في التلقي الواعي والنقدي يمكن أن تنتصر بوضوح جماليا وتجريبيا على الحل التنشيطي.

إن المعالجة الشعرية الحماسية للمسألة العربية الوسطى منتشرة على الصفحات وبين الجماهير. ولكنني كنت على يقين دائمًا أن النشر لم يكن أبدًا شرط الجمال والقيمة، كما أنني على يقين أننا سنظل نبتهج بالشعراء الكبار الذين استجمعوا الحدث ووضعوا ريشتهم في وجه ما تبقى من الشعر، و وليس بسبب المظاهرات المتعددة الأشكال والوجوه. ولهذا السبب تناولت هذه القضية وغيرها من القضايا ذات الأهمية السياسية في العديد من القصائد، ولكن بعد تجريدها من تفاصيلها المباشرة ومناقشة رمزيتها التي تمتد إلى الإنسان المظلوم في كل زمان ومكان.

source : aawsat.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *