لم يتوقع أحد في مصر وسوريا حدوث حدث غير عادي في 6 أكتوبر 1973.
قطعت إذاعة القاهرة هدوء الشوارع المصرية بالموسيقى العسكرية، أعقبها تلاوة الإعلان رقم واحد بمقدمته الشهيرة: “هنا القاهرة”.
وفي سوريا، بثت إذاعة دمشق أغنية فيروز “أطرق قدميك”، والتي قال العديد ممن شهدوا الحدث إنها إشارة لبدء الغارة الجوية.
ومع الإعلان عن قيام القوات المسلحة المصرية والسورية بشن هجوم عسكري متزامن على جبهات الجولان وسيناء، رافق البث الإذاعي الخبر بالأغاني والأناشيد الوطنية، التي كان لها دور مهم في إحياء ذكرى انتصار “حرب أكتوبر”. في مصر. أو “حرب أكتوبر التحريرية” في سوريا.
من الانتكاسة إلى النصر
وكان “انتصار أكتوبر” مصدر إلهام للشعراء والمحللين، فهو كان الفرصة المنتظرة للخروج من تبعات هزيمة حرب 1967، أو “النكسة”، على المستويين السياسي والأخلاقي. وظهر ذلك واضحا في أغنية “عدينا الهزيمة” التي غنتها شادية.
ومع إعلان النصر وعبور قناة السويس وتدمير خط بارليف، ارتفعت الحماسة في قلوب نخبة من الشعراء والكتاب والملحنين في مصر لمواكبة الحدث.
وقال محمد دياب، رئيس تحرير مجلة الهلال الثقافية، في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي، إن مشهد توافد الفنانين على مبنى الإذاعة في مصر تكرر في الحروب الثلاثة التي شهدتها البلاد في النصف الثاني من العام الماضي. 2011. القرن العشرين (1956، 1967، 1973).
إلا أن مدير الإذاعة لم يدعو الفنانين للغناء خلال حرب 1973، كما حدث في عامي 1967 و1956. وبدلاً من ذلك، بدأ الملحنون والشعراء يتدفقون بشكل عفوي على الإذاعة للمساهمة في إنتاج الأغاني والأناشيد التي تواكب أخبار الحرب. المعارك، بحسب دياب.
حشود في ممرات الراديو
يتحدث محمد دياب عن حركة النخب الفنية في الأيام الأولى لحرب أكتوبر ويقول إن أروقة الإذاعة كانت مكتظة بالشعراء والملحنين، وتم تلحين الأغاني ولحنها وتسجيلها في نفس اليوم.
ويقول: “بدأ إطلاق النار في 10 أكتوبر/تشرين الأول، أي بعد أربعة أيام من بدء المعركة”.
وأضاف أن الإذاعة شهدت أحياناً تسجيل عشر أغنيات في يوم واحد، “وكانت في غاية الجمال رغم تسجيلها على عجل”.
ويشير دياب إلى أنه كانت هناك لجنة للإذاعة في مصر كانت مهمتها تقييم النصوص. لكن بسبب ظروف الحرب، تولى رئيس الإذاعة محمد محمود شعبان، المعروف بـ«بابا شارو»، هذه المهمة، «وكان ينام في مكتبه، لأن الأغاني كانت تسجل ليل نهار». ليلة.”
يوسف شاهين يطرح العدد الأول
وقال دياب إن الإذاعة كانت تبث خلال الأيام الأولى للمعركة أغنيات قديمة تم إنتاجها خلال حرب الاستنزاف، مثل أغنية “حبيبتي مصر” لشادية، و”سكت الكلام ونطق السلاح” لعبد الحليم حافظ.
لكنه أكد أن الإذاعة رفضت بث الأغاني التي صدرت بسبب الانتكاسة “حتى لا يتذكر الناس أجواء الهزيمة”. ويذكر على سبيل المثال رفض بث أغنية أم كلثوم: «نحن الفدائيون نهلك ولا تهون، ننتصر»، رغم أنها «كانت أغنية مناسبة للحدث».
النشيد الوطني: “نذهب بالسلاح نعود ونرفع رايات النصر”، كان أول نشيد يذاع على الراديو لأول مرة، مع صدور إنتاجات جديدة.
وكانت هذه الأغنية لفيلم “العصفور” للمخرج يوسف شاهين، والذي كان قد انتهى من تصويره قبل الحرب. لكن تم تجميد عرض الفيلم بسبب اعتراضات الرقابة.
ويقول دياب إن الملحن علي إسماعيل ويوسف شاهين توجها إلى “استوديو مصر” وعملا في وقت متأخر من الليل على مونتاج الأغنية التي قدمها شاهين في الإذاعة.
بليغ حمدي وعبد الحليم حافظ الأكثر حضورا
ولعل أعمال الملحن بليغ حمدي هي الأكثر إنتاجا والأكثر شهرة في هذه الذكرى، ولكن أيضا في ذكرى النكسة وحرب الاستنزاف.
ويقول دياب إن بليغ قدم 18 عملاً غنائياً بمناسبة «حرب أكتوبر»، أي «ما يعادل نحو 20 بالمئة» مما أنتجه آنذاك.
ويضيف دياب أن بليغ كان أول من توجه إلى الإذاعة وبدأ مع الشاعرين عبد الرحيم منصور وعبد الحليم حافظ في الإعداد لتسجيل الأغاني المناسبة للحدث الكبير.
أولى الأغاني التي لحنها وسجّلها بليغ حمدي في الإذاعة كانت “على الربابة، بلدي الحلو، يا سمرا، بلدي الحر”، بصوت وردة الجزائرية.
تلاها النشيد الشهير (الله أكبر بسم الله) تؤديه فرقة (الكورال). وقال لشادية: “ادفع لنا أن نذبح يا مصر العظيمة”.
وتعاون بليغ حمدي مرة أخرى مع عبد الحليم حافظ كما فعلوا معًا خلال حرب 1967، وقدما مجموعة من الأغاني أهمها “عاش القائل” و”قومي يا مصر” و”الفجر”. لاه.”
ويشير دياب إلى أن حمدي ومنصور ووردة وعبد الحليم تنازلوا عن أتعابهم للإذاعة التي لم يكن لديها وقتها ميزانية لتسجيل الأغاني، وأنهم دفعوا رسوم الفرقة من جيوبهم الخاصة، “لتنتشر هذه العدوى للفنانين الآخرين الذين تنازلوا عن أتعابهم مقابل المجهود الحربي.
وتعاون عبد الحليم مع ملحنين آخرين وقدم أغنية “في البلد يا ولد” احتفالاً بالنصر، ألحان محمد الموجي وكلمات محسن الخياط. تصف الأغنية عبور القناة: “طار الأطفال مثل النسور، وأحصوا البحار، وعبروا الجسور”.
وغنى حليم أغنية “خلي البندقية صاحية” الشهيرة من ألحان كمال الطويل بعد الإعلان الرسمي عن وقف إطلاق النار، عقب انتهاك الإسرائيليين لوقف إطلاق النار ومحاولتهم شن هجوم مضاد تمكنت القوات المصرية من صده.
“لحظة استثنائية”
ويشير محمد دياب إلى أنه تم إصدار ما يقارب 40 أغنية في الفترة ما بين 10 أكتوبر و30 أكتوبر 1973. وأضاف أن إطلاق النار استمر حتى بعد وقف إطلاق النار.
تم تسجيل أغنية “صباح الخير يا سينا” في فبراير 1974، غناها عبد الحليم، كلمات الأبنودي وألحان كمال الطويل.
ويقول دياب واصفاً تلك المرحلة: “كانت لحظة استثنائية، لحظة عبقرية”.
قال إن الفنان السوري موفق بهجت كان في مصر، فأهداه بليغ حمدي: “يا جندي بلدي يا بطل”.
وقال إن بهجت أراد أداء “المعارك توحدنا” التي تتحدث عن دور سوريا في الحر. “مصر بيتي، وسوريا بيتي، والمعارك تجمعنا”، لكن بليغ فضل أن تغنيها المجموعة.
كما غنت وردة أغنية “سكة وحدة” للشاعر عبد الرحيم منصور وبليغ حمدي للوحدة العربية.
ومن الأغاني التي طبعت ذاكرة الجماهير أغنية “أم البطل” للفنانة شريفة فاضل، والتي تحدثت فيها عن ابنها الضابط الطيار الذي فقد حياته في المعركة.
غنت النجمة السينمائية سعاد حسني أغنية “دولا من دولا جنود مصر”، للشاعر أحمد فؤاد نجم، الذي كان قد عبر قبل سنوات عن غضبه خلال “نكسة 67″، في أغنية “لقد دقتنا تحت أحذيتنا” بصوت ويتهم الشيخ إمام قادة الجيش والسلطات بالفساد ومسؤولية الهزيمة.
“سوريا حبيبتي”
على الجانب السوري، أثارت أخبار الحرب حماسة الفنان اللبناني محمد سلمان، فغادر بيروت إلى دمشق مع احتدام الجبهات، بحسب ما قاله في مقابلات صحفية أجراها خلال تلك الفترة.
وقام سلمان بتأليف كلمات ولحن أغنية “سوريا حبيبتي”، أشهر أغنية عن “حرب تحرير تشرين”، وغناها مع محمد جمال ونجاح سلام.
وقام التلفزيون السوري بتصوير الأغنية مع لقطات للمغنيين الثلاثة ولقطات من ساحة المعركة. وانتشرت الأغنية على نطاق واسع ولا تزال تمثل النشيد الوطني حتى يومنا هذا.
ومن الأغاني التي أذيعت على الإذاعة في سوريا بهذه المناسبة: “من قاسيون أتطلع يا وطني وأرى دمشق تعانق السحاب”.
ويقال أن هذه الأغنية تم إعادة إنتاجها وتوزيعها بعد الحرب لتمجيد حزب البعث.
ونلاحظ أن إنتاج الأغاني والأغاني الشعبية بمناسبة “حرب تحرير تشرين” كان نادراً في سوريا مقارنة بمصر، حيث كانت البيئة الفنية والغنائية غنية آنذاك وكانت بمثابة مقصد للفنانين والموسيقيين.
كما نلاحظ الاعتماد على أصوات لبنانية إلى جانب نجاح سلام مثل سميرة توفيق ووديع الصافي في عمل مشترك بعنوان “يا تشرين” أو “أهلاً تشرين” غناه وديع الصافي منفرداً.
كما غنت سميرة توفيق أغنية “أحضروا أكاليل الغار” وأغنية “اصعد إلى الأعلى” التي أثنت فيها على الجيش السوري.
مشيراً إلى أن الأغاني الوطنية لتوفيق والصافي تدخل ضمن الفلكلور الشعبي في سوريا ولبنان. إنها ليست مثل الأغاني الحماسية أو الأناشيد العسكرية التي لونت أحداثاً مثل حرب 1973.
source : www.bbc.com