تشخيص ذاتي وتضخيم الأزمات.. هل يزيد الوعي النفسي من آلامنا؟ | أسلوب حياة

|

في السنوات الأخيرة، تزايدت حملات التوعية بالصحة العقلية وتحدث العديد من المشاهير علنًا عن صراعاتهم مع مشاكل الصحة النفسية والعقلية، مثل الأمير هاري. وقد ساعدت هذه الحملات بالفعل في إزالة الوصمة المحيطة بالصحة النفسية والعقلية وتشجيع الأشخاص الذين يعانون من هذه المشاكل على طلب المساعدة.

وعلى الرغم من هذه النقاط الإيجابية، إلا أن كثرة الحديث عن الاضطرابات النفسية والعقلية قد تؤدي إلى تفاقم الضغوط النفسية. مع سهولة الوصول إلى المحتوى المتعلق بالصحة العقلية عبر الإنترنت والمصادر المختلفة، ظهرت العديد من الجوانب السلبية لرفع مستوى الوعي.

تفاقم الأزمات

صرح عالما النفس جاك أندروز ولوسي فولكس في مقال نشر مؤخرًا في مجلة New Aids بعنوان “هل تساهم جهود التوعية بالصحة العقلية في زيادة مشاكل الصحة العقلية؟” قد تكون حملات التوعية بالصحة النفسية أحد أسباب تفاقم الأزمات النفسية.

وأوضحوا أن تفسير بعض الناس للأعراض الخفيفة للقلق أو الحزن على أنها أزمات نفسية عميقة يمكن أن يؤدي بدوره إلى تفاقم المعاناة بدلا من تخفيفها.

على سبيل المثال، الخوف هو شعور طبيعي يشعر به الشخص. إذا قرأ الشخص الذي يعاني من القلق الخفيف عن أعراض القلق المفرط وبدأ ينظر إلى نفسه على أنه يعاني من مرض عقلي خطير، فمن المرجح أن يركز أكثر على القلق. مما يقلقه ويتجنب المزيد من التجارب المثيرة للقلق. وهذا يعزز الأفكار والمشاعر القلقة ويجعل الشخص يشعر بالسوء وليس بالتحسن.

الوعي النفسي في حد ذاته ليس حلا، الأهم هو اتخاذ خطوات فعلية لحل هذه الأزمات (بيكسلز)

تحويل الاضطراب إلى هوية

وسط انتشار حملات التوعية حول معاناة الأشخاص الذين يعانون من الصدمات النفسية، يتم استخدام التحذيرات قبل عرض المحتوى الذي قد يكون مؤلما، ورغم أن ذلك بهدف حماية الناجين من الصدمات والأزمات النفسية من التعرض لمحتوى يعتمد على آلامهم ذكريات، خلصت من دراسة أجرتها جمعية علم النفس الأمريكية إلى أن هذه التحذيرات يمكن أن تكون سببا في عدم التغلب على الأزمات النفسية.

ووجدت الدراسة أن هذه التحذيرات غير فعالة ويمكن أن تضر بالصحة العقلية على المدى الطويل لأنها تشجع على تجنب المشاعر السلبية، وتعزز الناجين من الصدمات أن تجاربهم المؤلمة هي جزء أساسي من هويتهم الشخصية، والرسالة التي تقول إن التجارب المؤلمة يمكن أن تسبب تغيرات نفسية دائمة، ولكن في الواقع يتمتع الأشخاص بالمرونة بشكل طبيعي ويمكنهم التغلب على التجارب المؤلمة.

رسم الصورة الخاطئة

الاستخدام غير الصحيح لمصطلحات الصحة العقلية في الحياة اليومية يمكن أن يرسم صورة خاطئة لهذه الاضطرابات.

على سبيل المثال، إذا كان شخص ما صارمًا بشأن قواعده الخاصة ويبرر ذلك بالقول إنه مصاب بالوسواس القهري دون استشارة طبيب نفسي، فقد يعطي هذا، من بين أمور أخرى، انطباعًا سلبيًا بأن الأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهري هم أشخاص مزعجون، ولا يحترمون الآخرين، و هم وحدهم مهتمون بتنفيذ نظامهم الخاص.

يمكن أن يؤدي استخدام مصطلحات غير مناسبة تتعلق بالصحة العقلية إلى تحريف اضطرابات الصحة العقلية (Shutterstock)

الاستغلال من أجل الربح

وأشارت صحيفة الغارديان البريطانية إلى أن بعض شركات الأدوية تطلق على الأعراض النفسية العادية التي يعاني منها معظم الناس، مثل الحزن ونوبات الغضب، اضطرابات تحتاج إلى علاج من أجل بيع الدواء والاستفادة منه.

تشخيص ذاتي

وذكرت الدراسة التي نشرت في مجلة “أفكار جديدة” أن انتشار المعلومات حول الاضطرابات النفسية والعقلية على مختلف المواقع الإلكترونية والأفلام ووسائل التواصل الاجتماعي، أدى إلى تفاقم أزمة التشخيص الذاتي.

لقد أصبح من السهل قراءة الأعراض من أي مصدر، ويمكن للأفراد بسهولة تصنيف أنفسهم على أنهم يعانون من مشكلة في الصحة العقلية والتصرف وفقًا لذلك. وهذا يؤثر بعد ذلك على سلوكهم ويجعلهم يعتقدون أنهم مرضى بالفعل.

كونك شخصًا لا يحب الاتصال الجسدي لا يعني أنك مصاب باضطراب طيف التوحد، والشعور بالانزعاج أحيانًا لا يسمى اكتئابًا كبيرًا، كما أن التعرض لتقلبات مزاجية لا يعني أنك مصاب باضطراب ثنائي القطب.

الوعي ليس كافيا

لا يمكن إنكار الجانب الإيجابي للوعي بالصحة النفسية، لكن الوعي في حد ذاته ليس هو الحل، والمهم هو اتخاذ خطوات فعلية لحل هذه الأزمات، كما أوضح عالم الأعصاب دين بورنيت في مقالته بالصحيفة البريطانية. الحرس.

وأضاف بورنيت: “المشكلة الرئيسية هي أن العقل البشري جيد جدًا في إدراك الأشياء، لكن ليس من السهل أن يؤدي هذا الوعي إلى تغيرات سلوكية، وببساطة زيادة الوعي النفسي يمكن أن تجعل الفرد يشعر بالتحسن لأنه فعل شيئًا ما”. في الحقيقة لم يغير شيئا.” “.

إن الوعي بالصحة النفسية أمر عظيم، لكنه لا معنى له حقًا إذا لم يتم اتخاذ خطوات فعلية لحل هذه المشكلات.

7 خطوات للهروب من دوامة الأفكار المزعجة التي تعصف بحياتك
ينصح الخبراء بالخروج من دائرة الأفكار السلبية واتخاذ خطوات إيجابية لتقليل المعاناة (غيتي)

الاعتدال

بعد أن عرض الآثار السلبية للانغماس في عواقب الصدمات النفسية وأعراض الاضطرابات النفسية واجترار الأفكار السلبية، نصح عالم النفس كلاي روتليدج في مقالته بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية بالخروج من دائرة الأفكار السلبية والانخراط في خطوات إيجابية وقابلة للتحقيق للحد من المعاناة.

وأوصى بالمشاركة في الأنشطة الخيرية، التي أثبتت فعاليتها في تحسين الصحة النفسية أكثر من تقنيات العلاج السلوكي المعرفي التقليدية، كما أظهرت دراسة نشرتها مجلة علم النفس الإيجابي. ويعود هذا التأثير الإيجابي إلى أن العمل الإنساني يساعد في إبعاد عقلك جزئياً عن مشاكلك النفسية والعمل على الآخرين.

تعتبر التمارين الرياضية أيضًا وسيلة ممتازة لتحسين الصحة العقلية وتقليل الاكتئاب والقلق والتوتر، وحتى المشي البسيط في الطبيعة يمكن أن يساعد في تقليل اجترار الأفكار السلبية.

source : www.aljazeera.net

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *