فلسفة طه حسين للنهضة المصرية فى كتاب مستقبل الثقافة فى مصر


بقلم عبد الرحمن حبيب

السبت 28 أكتوبر 2024 الساعة 2:00 ظهرًا

أثار كتاب «مستقبل الثقافة في مصر» لعميد الأدب العربي طه حسين، موجة انتقادات عنيفة لا تقل عن تلك التي أعقبت نشر كتابه «في الشعر الجاهلي».

ينقسم الكتاب إلى قسمين رئيسيين: يتناول الأول الثقافة والهوية والانتماء والتوجه الحضاري، ويتناول الثاني قضايا التعليم في مصر وعلاقاته بالآخرين. الإيمان بأن تطور التعليم في مصر يعتمد على تطور الثقافة.

نُشر الكتاب في أعقاب توقيع مصر على معاهدة الشرف والاستقلال عام 1936، حيث اعتقد المصريون أن بلادهم تسير بخطى ثابتة نحو بناء الدولة الحديثة، وبدأوا في رسم خطط تقدم تلك الدولة. وطه حسين، من موقعه ككاتب ومفكر ووطني، رأى ضرورة المساهمة. ومن خلال تطوير رؤيته لمستقبل الثقافة في مصر، صبغ رؤيته بنكهة غربية، نافيًا استمرار ارتباط مصر بأصولها الشرقية. مؤكدة أنها أقرب إلى دول منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​منها إلى دول المشرق.

واستنكر البعض إهمال الكتاب للعلاقات بين مصر والشرق، مؤكدين أنه حتى لو لم تكن للمصريين علاقات مع دول الشرق الأقصى، إلا أن هناك تقاربا ثقافيا لا يمكن تجاهله بينهم وبين الشرق الأدنى، وخاصة العرب. .

يبدأ طه حسين الكتاب في فصل أول بعنوان الثقافة والعلم أساس الحضارة والاستقلال، ويقول عن فلسفته لعصر النهضة المصرية: “الموضوع الذي أريد أن أجري حوله هذا الحديث هو مستقبل الثقافة في مصر، لكي أتحدث عن مستقبل الثقافة في مصر”. استعادت فيه الحرية بإحياء الدستور، واستعادت فيه الكرامة بنيل الاستقلال. إننا نعيش في عصر من أكثر ما يمكن وصفه تحديدا أن الحرية والاستقلال فيه ليسا أهدافا تسعى إليها الشعوب وتسعى إليها الأمم، بل هما وسيلة لتحقيق أهداف أسمى وأبقى وأكثر شاملة وأكثر عمومية للاستخدام.

وفي معرض الحديث عن النهج الذي يراه مناسبا لهذه المرحلة يقول: “فليحرص كل مصري على أن يجنب نفسه وأمته هذا العار، والسبيل إلى ذلك هو أن نأخذ شؤوننا بكل حزم وجدية من اليوم فصاعدا، وأن نتحول عن ذلك”. الكلمات التي لا معنى لها، والأفعال التي تنتج بعض الخير، وبناء حياتنا الجديدة من الصفر. عمل صادق ومفيد على أساس متين.

ويعد فصل “العقل المصري والعقل اليوناني وتأثيرهما على الآخر” هو النقطة الأساسية وموضوع الخلاف والجدل. يبدأ طه حسين القارئ بالقول: «ليس علينا تقديم دليل على كل هذا، لأن كل هذا أسهل من تقديم دليل عليه». يتعلمها طلابنا في مدارسهم، والكتب التعليمية البسيطة تنشرها لكل من يريد الاطلاع عليها”.

وبهذا يمهد عميد الأدب لفكرته القادمة التي يراها فكرة ثقيلة قد تكون غريبة عن العقلية العربية والمصرية. ولذلك فهو يمهد له الطريق ليطرح فكرته الأخرى. حول تبادل النفوذ والنفوذ بين مصر واليونان ومدى تأثير حضارات البحر الأبيض المتوسط ​​على بعضها البعض.

ويقول طه حسين في كتابه: «وهناك أمر آخر لا يقل سهولة ووضوحًا عن هذا، وهو أن تبادل المنافع بين العقل المصري والعقل اليوناني في العصور القديمة كان أمرًا يشرف به اليونانيون، الذي أثنوا عليهم فيه في الشعر الذي قالوا والنثر الذي كتبوه. “مصر ذُكرت كثيرًا في شعر القصاصين اليونانيين، وذكرت جيدًا في شعر الممثلين اليونانيين، ثم ذكرت جيدًا عند هيرودوت ومن بعده من الكتاب والفلاسفة.”

ويضيف: «إن اليونانيين في عصورهم المتقدمة، كما في عصورهم الأولى، كانوا يرون أنفسهم طلابًا للمصريين في مجالات الحضارة وفنونها الجميلة بشكل خاص.

ثم جاء التاريخ الذي لم ينكر كل ذلك ولم يضعفه، بل أيده وعززه. إن التأثير المصري على فنون العمارة والنحت والتصوير الفوتوغرافي عند اليونانيين أمر لا يمكن إنكاره أو الجدل فيه. يتجاوز التأثير المصري الفن الرفيع ليشمل أمورًا أخرى تؤثر على الفنون التطبيقية والحياة العملية اليومية وربما السياسة أيضًا.

ومن الصواب أن نعترف بأن مصر لم تكن وحدها في التأثير على الحياة في اليونان، ولا في تكوين الحضارة اليونانية والروح اليونانية، بل شاركتها دول شرقية أخرى كان لها نصيب وافر في الحضارة والتقدم. هي الدول التي سكنت هذا الشرق الأدنى.

وكانت هذه الأمم، مثل مصر، مهد الحضارة في حوض البحر الأبيض المتوسط، وكما ينسب الإغريق لمصر الفضل في تشكيل حضارتهم، فإنهم ينسبون الفضل إلى الكلدان والشعوب الآسيوية الأخرى التي تأثرت عبر البحر الأبيض المتوسط.

إذا أردنا أن نعرف ما هو أهم تأثير على تكوين الحضارة المصرية وتكوين العقل المصري، وإذا لم تؤخذ البيئة في الاعتبار عند تقييم هذا التأثير، فمن الحماقة والسخافة أن فكر في الشرق الأقصى أو الشرق الأقصى، ومن الجيد أن نفكر في البحر الأبيض المتوسط، وفي الظروف المحيطة به، وفي الأمم التي عاشت حوله.

وهنا ينهي طه حسين فكرته، وجوهرها هو: “إذا أردنا أن نبحث عن التأثير الأساسي في تكوين الحضارة المصرية وفي تكوين العقل المصري، وإذا أردنا أن نأخذ في الاعتبار في تقييم ذلك البيئة والتأثير، فمن غير المجدي والسخيف التفكير في الشرق الأقصى أو الشرق الأقصى. “من الصواب أن نفكر في البحر الأبيض المتوسط.”

طبع هذا الكتاب لأول مرة عام 1938 وهو من أبرز أعمال طه حسين الفكرية ومن أكثر الكتب إثارة للجدل. كانت بمثابة حجر ضخم ألقي في مياه الثقافة، أحدثت موجات متتالية من المعارضة تارة والتأييد تارة أخرى، منذ نشرها وربما حتى الآن.

ومن أبرز ما جاء في الكتاب: “مصر دولة غربية ثقافيًا وحضاريًا بكل معنى الكلمة. وينقسم العالم إلى حضارتين لا ثالث لهما. الأولى: تستمد جذورها من حضارة مصر القديمة، الفلسفة اليونانية والقانون الروماني، والثاني: يأتي من الهند”.

واعتبر الكتاب “علامة” على طريق الثقافة العربية بشكل عام والثقافة المصرية بشكل خاص، الأمر الذي يجب على كل من له اهتمام بحركة الثقافة والتعليم في الوطن العربي أن يطيل الحديث. هذا الكتاب يمكن أن يعني. يحتويها، ثم يحاول وضعها في إطارها الثقافي العام، من حيث الخريطة الفكرية لهذا المفكر العملاق.







source : m.youm7.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *