هل قرأت كتاب عوامل النصر والهزيمة؟

إن قراءة التاريخ ليست ترفاً ثقافياً أو فكرياً عقيماً، ولكنها تأملات في الماضي هي التي تولد فينا تألقاً نفهم على ضوئه الحاضر ونتحرك بخطوات واعية نحو المستقبل. عندما يكون أحد العلماء المتميزين مثل د. شوقي أبو خليل يدعونا للسير على دروب التاريخ كما يقول د. شوقي أبو خليل يجب أن نرد لأنه سيعطينا دروسا ودروسا لا غنى لنا عنها في الحياة.

ويتناول شوقي أبو خليل في كتابه «عوامل النصر والهزيمة عبر تاريخنا الإسلامي» مشاهد من تاريخ الحروب التي خاضها المسلمون لاستخلاص العبر منها. ويوضح لنا أن النصر له أسبابه، والهزيمة لها أسبابها. وأن النصر له عوامل تحققه، وأن الهزيمة لها عوامل تسببه. وما هي عوامل الفوز التي خرج بها؟ ما هي عوامل الهزيمة؟

وعندما طلب المسلمون الله لا الدنيا، فرحت نفوسهم وتحسنت أخلاقهم.

مقومات النصر

ويرى مؤلف الكتاب أن عناصر النصر التي طرحها الإسلام في منهجه حملها الفاتحون المسلمون، وأن العالم أقرها في خلق المسلم، وأنها لا تتغير ولا تتغير. وللنظر إلى هذه العناصر يأتينا بخبر أن المقوقس عظيم مصر أرسل رسلاً إلى جيش عمرو بن العاص. فاحتفظ بهم عمرو معه يومين وليلتين، تعرفوا خلالهما على حياة الجنود الذين رباهم الإسلام وأعدهم لفتح أرض كنانة. فلما رجعت الرسل إلى المقوقس سألهم: كيف رأيتموه؟ قالوا: رأينا قوماً أحبوا الموت إلى الحياة، وكان التواضع أحب إليهم من التعظيم، وما كان لأحد منهم رغبة في الدنيا ولا جوع، بل جلسوا على الأرض، ويأكلون على ركبهم، وكان زعيمهم كواحد منهم، لا يعرف العالي من السفلي، ولا السيد من العبد، جاءت الصلاة ولم يفتها أحد منهم، غسلوا أطرافهم بالماء وخشوا في صلاتهم. .. ثم قال المقوقس: ومن حلف به لو رأى هؤلاء الجبال لأزالوها، وما استطاع أحد أن يقاتل هؤلاء.

ومثل شهادة المقوقس شهادة ملك الصين في اعتذاره عن عدم قدرته على إجابة طلب كسرى يزدجرد الذي طلب منه المساعدة في حربه ضد المسلمين.

وبين لنا الكاتب كيف كان وضوح العقيدة وصلابةها عاملاً حاسماً في انتصارات المسلمين. والجيش الذي تكون عقيدته موحدة هو جيش متجانس فكرياً، وهدفه ثابت، وجهوده موحدة. ومما يرتبط بهذه المسألة أن القتال لم يعد من أجل أهداف دنيوية زائلة، بل من أجل الله، من أجل الإيمان الخالص. وعندما طلب المسلمون الله لا الدنيا، فرحت نفوسهم وتحسنت أخلاقهم. وهذه الصفات هي التي أبكت أهل حمص عندما خرج منهم جيش المسلمين إلى اليرموك، وجعلت أهل سمرقند يعبدون جيش قتيبة.

ويتم التأكيد بالدرجة الأولى على دور الإيمان والدين والأخلاق في تحقيق النصر، لكن هذا لا ينفي أن الأسباب المادية لها أهميتها ودورها.

ويتم التركيز بالدرجة الأولى على دور الإيمان والدين والأخلاق في تحقيق النصر، لكن هذا لا ينفي أن الأسباب المادية لها أهميتها ودورها. وقد كان المسلمون على علم بذلك وعملوا على هذا الأساس. لقد أعدوا الناس نفسياً وجسدياً للمعركة وإعداد الأسلحة، ولم يهملوا أهمية التوجيه المعنوي. وكانوا حريصين على معرفة قدرات العدو وإمكانياته، وفي المقابل أبقوا تحركاتهم واستعداداتهم سرية حتى لا يعلم العدو بها.

وكان عنصر المفاجأة مهما في انتصارات المسلمين. وقد فاجأ النبي صلى الله عليه وسلم قريشًا في بدر بنظام الصفوف المتقاربة التي لم تُخالف بعد الحرب حسب عرف العرب ذهابًا وإيابًا. ، وفاجأ خالد بن الوليد الروم في اليرموك بنظام عمود.

وكان في انتصارات المسلمين حكمة، وكان ذلك يقتضي الدخول في الحرب عندما تكون أسباب نجاحها مؤكدة، وتأجيلها ما دامت الظروف غير مواتية. ولم يقاتل النبي صلى الله عليه وسلم في مكة رغم ظلم أصحابه وتعذيبهم، ولما كمل الأمر في المدينة وقيام الدولة الإسلامية هناك قوية ومكتملة بالتعليم والاستعداد. كانت هناك انتصارات رائعة. لا تشنوا حربا غير متكافئة، وإلا فإن النتائج ستكون مؤلمة للغاية.

ورغم أن الشجاعة هي أحد أسباب النصر، إلا أن الجرأة تصل إلى حد التهور، حيث يمكن أن تصبح سببا لهزيمة كارثية.

أسباب الهزيمة

إن الإشارة إلى هزائم المسلمين في حروبهم تذكر للوهلة الأولى بما حدث في غزوة أحد، والتي تضمنت مخالفة أمر القائد ومخالفة الخطة العسكرية والتركيز على النهب. ولا شك أن ذلك من الأسباب التي تبطل النصر وتسبب الهزيمة.

أما حنين فقد انتهى بانتصار ساحق للمسلمين، لكن البداية كانت هزيمة نكراء لهم، سببها إهمال الله وإعجاب الجماهير. إذن ما حدث كان درسًا لتذكيرك بأن الحشد العددي لا شيء. بل القلة المطلعة المتصلة الصامدة التي لا إيمان لها.

ومرت سنوات الخلافة الراشدة وانتهت بأحداث صراع شكل فيها تسلل المنافقين والطابور الخامس إلى جيش المسلمين كارثة ذات أثر مدمر، وهذا ما أكده الدور الشرير الذي لعبوه. على يد عبد الله بن سبأ، ولذلك كانت معارك علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا تقهر. ومثل ذلك فعل الغدر الذي أظهره سلوك أهل الكوفة تجاه الحسين بن علي رضي الله عنهم. وبعد أن كتبوا إليه ووعدوه بالنصر، تركوه ساعة وفاتهم. خطورة ما كانت مأساة كربلاء.

ورغم أن الشجاعة هي أحد أسباب النصر، إلا أن الجرأة إلى حد التهور يمكن أن تؤدي إلى هزيمة كارثية، ففي معركة الجسر التي دارت بين المسلمين والفرس، اضطر أحد الجيشين إلى عبور نهر الفرات إلى الجيش الآخر، واختار أبو عبيد قائد جيش المسلمين العبور بجيشه. ونصحه المحيطون به بطريقة مختلفة، ونتيجة لذلك وقعت المعركة في بلد لم يكن يتوقعه، ووقعت وفيات كبيرة في جيش المسلمين.

ويبقى سبب الهزيمة أقوى، والذي يتزايد تأثيره في عصرنا هذا، وهو الهزيمة أمام المبادئ الأجنبية التي تسعى إلى فرض فهمه للحياة على أبناء أمتنا.

فإذا شجع الإسلام أبناءه على تبني أسباب النصر، فإن البعد عن روحه وتوجهاته يعني الهزيمة. أدى النظام الجاهلي في أيام الأمويين إلى حرب أهلية بين قبيلتي القيسية واليمانية، وأدى إلى هزيمة وحدة الصف الداخلي وإهدار القوى التي لم توضع في مجالها الصحيح. وتوقفت الفتوحات عندما اشتد عدوان المسلمين بينهم. بل على العكس من ذلك، هاجمهم عدوهم لفترة قبل أن يصححوا الخلل ويتصالحوا. وكذلك الأمر بالنسبة للعنصرية التي دعا الإسلام إلى رفضها والتي عادت إلى الظهور في أيام الإسلام. وكان الأمويون أحد أسباب سقوط دولتهم وهزيمتها على يد العباسيين. وظهر التعصب للعرب في ذلك الوقت في الألسنة وفي نتاج الفكر، وقد شعر الفرس بهذا التعصب في عدم المساواة بينهم وبين العرب.

وكما سقطت الدولة الأموية سقطت الدولة العباسية، ولكن اختلفت الأسباب. بدأ الخلفاء العباسيون اللاحقون في جلب الفاسدين إلى الوزارة وتعزيز مناصب الدولة لتقويتها. لقد كانوا العمود الفقري للشر الذي سبب الضعف. وانهيار الدولة، وفقدان هيبة الخلفاء، وغزو الأعداء الخارجيين، ومنهم الصليبيون والمغول.

أما هزائم المسلمين التي أنهت حكمهم في الأندلس، فكانت هناك قصة أخرى يقطرها الحزن والأسى. وفي تلك الفترة تمزقت الوحدة وانقسمت الكلمة، حتى بدأت توليدو في الانهيار. وسقطت من حولها الحصون والمدن، ونظر ملوك الطوائف إلى الأمر كأنه لا يعنيهم ولا يوجه إليهم. وتوالى سقوط الممالك الواحدة تلو الأخرى، لتبقى ذاكرة الأندلس عبرة لأمتنا، نرى من خلالها عواقب الصراع والانقسام، عواقب الانحلال والانقسام المتخلف، عواقب الموشحات والرقص. . من النعمة.

ويبقى سبب أقوى للهزيمة، يتزايد تأثيره في عصرنا هذا، وهو الهزيمة أمام المبادئ الأجنبية التي تسعى إلى فرض فهمها للحياة والسلوك الإنساني على أبناء أمتنا وتفسيرهم للتاريخ. وكذلك فرض تصوراتهم عن العلاقات التي يجب أن تكون قائمة بين أفراد المجتمع، وكذلك عن واقع المرأة في الأسرة والمجتمع.

والحقيقة أن المسلم الذي تهزمه العقائد المستوردة هو مسلم لم يكتمل إسلامه بعد، ولم يكلف نفسه عناء تعلم دينه لأنه كان طاهراً لا عيب فيه، فأخذ يردد ما قيل له . بلا سبب، بل أصبح نسخة من تفكير من أملى عليه.

فالمسلم الذي يعرف إسلامه تزكى نفسه، وتمتلئ روحه بالإيمان، ويخضع عمله وحياته لشرع الله.

المسلم المعاصر بين النصر والهزيمة

ويخلص المؤلف في خاتمة الكتاب إلى أن إسلام المسلم الملتزم بشريعة الله عز وجل هو بلا شك إسلام منتصر. أما إذا جاءت الهزيمة اليوم، فقد تصيب قوماً ليس لهم من الإسلام إلا اسمه، وتسيطر عليهم مصالحهم، سواء بسبب ضعف إيمانهم، أو موته، أو بسبب سطحية تفكيرهم الإسلامي. إما لضعف إيمانهم. بسبب عدم تفاعلهم مع إسلامهم.

فالمسلم الذي عرف إسلامه قد طهرت نفسه، وامتلأت روحه بالإيمان، وأخضع أعماله وحياته لشرع الله، وهواه مع الشرع، يحب ما يحب، ويكره ما يكره، يقف على حدوده ويدعو إليها… هذا مسلم انتصر إسلامه، وإلا انهزم إسلامه.

source : www.aljazeera.net

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *