كتاب غير عادي عن فؤاد المهندس

وهنا يوصف كتاب «مهندس الفرح.. فؤاد المهندس ووعي السينما» (دار المرايا، القاهرة، 2024) بأنه غير عادي لا بسبب الحماسة الكبيرة له ولا بسبب الثناء الخاص. لذلك، بل لتمييزه عن «العادي» المنتشر في كتب نجوم الكوميديا ​​العرب، ينبغي أن نكتفي بالتعريف بهم وسرد سيرتهم وأعمالهم. ولا شيء من هذا يهم الأكاديمي المصري الأستاذ الجامعي في كندا وليد الخشاب في هذا الكتاب، فهو عمل بحثي في ​​مجال التحليل الثقافي، الذي يتناول السياسي والاجتماعي، وتأتي جهوده ينبع من رؤية نقدية. ومحاولة تفكيك خطابات ورسائل محددة. وربما لهذا السبب، بعد أن تنتهي من قراءة هذا الكتاب المثير والمثير و”المختلف” في وصف يستحقه، فقد ذكره زميلك محمد طلبة رضوان في مقالته في “العربي الجديد” المقدمة ل وتتساءل هل ما جاء به الخشاب عن فؤاد المهندس في أفلامه ومسرحياته وأعماله الإذاعية مقنع أم لا؟ الكتاب يطرح هذا السؤال في ذهنك، ومن ثم لا تكتفي بجواب سواء سلبا أو إيجابا، حتى لو وجدت نفسك ربما في مكان واحد متفق تماما مع المؤلف المتحمس في موقفه، وربما في مكان آخر. حيث ترى التعسف أو الإفراط من جانب الباحث الذي بقي عاقلاً في 224 صفحة.

العبارة الأساسية في «مهندس الفرح…» هي أن الكوميديا ​​موضوع جدي، وأننا عادة لا نأخذ الأمر على هذا النحو، وأن أفلام فؤاد المهندس (معظمها من الستينيات والسبعينيات)، قبل أن تصبح أدواره (ثانوية) لها قيمة ثقافية واجتماعية وسياسية”، رغم ما قد يبدو للوهلة الأولى. من التهريج” (على حد تعبير وليد الخشاب). وبالفعل، فمن النادر أن نجد نموذجاً للتفاعل الثقافي (مع المجتمع) لهذه الأفلام، تضع قيمته في مصاف كلاسيكيات الكوميديا ​​العربية. تاريخ هذه الكوميديا ​​لم يُكتب بعد، بحسب المؤلف، الذي يرى في فؤاد المهندس “قيمة فنية وثقافية عربية، كمثال للكوميديا ​​الوطنية، الجناح الفكاهي للدولة الوطنية، دولة التحرر”. . في حقبة ما بعد الاستعمار.” وفي مكان آخر، وفي تحليل مفصل لأفلام المهندس ومسرحياته، يكتب الخشاب أن ما يسميها “لحظات التنبؤ الواعي بالمستقبل” كثيرة في عالم فؤاد المهندس، خاصة في أفلامه من التسعينيات وستين. أوائل السبعينيات. وهنا لا يبدو مقنعاً تماماً أنه «قد يجوز القول عن فيلم «أنت الذي قتلت بابايا» إنه عبر عن فقدان وعي البعض، أو تنبأ بما في لاوعي البعض: التنبؤ بوفاة الأب القائد». أي جمال عبد الناصر، تم الانتهاء من الفيلم قبل وقت قصير من وفاة عبد الناصر وعرض بعد ستة أسابيع.

فؤاد المهندس، الحاضر دائماً، أُعيد أول أمس (6 سبتمبر)، عام 1924 (أو 1927 كما اقترح المهندس)، بمناسبة عيد ميلاده، وستتم استعادته بعد أيام قليلة. . ذكرى وفاته (16 سبتمبر). ولعله، صاحب هذه الكلمات، يساهم في هذا التعافي، من خلال الإشارة إلى أهمية كتاب «غير عادي» عن الممثل الكوميدي الكبير، البهلوان بالمعنى الذكي جداً، الذي يحتضن وليد الخشاب. وأنا أفعل ذلك، لا أنسى أنني التقيت بفؤاد المهندس في لقاء تلفزيوني معه، وهو يتحدث عن أفلامه دون فخر، ويستخف بها ويقول إنه فعلها من أجل المال والعيش. ولا أعرف ماذا كان سيقول الراحل لو أنه قرأ “فرضية” مؤلف الكتاب “أن أفلام فؤاد المهندس التي لعب فيها الدور الرئيسي، خاصة أفلامه مع شويكار، في وكانت الستينيات والسبعينيات كلها اكتشافات غير مقصودة لما يحمله اللاوعي الناصري، أو اللاوعي الجمعي. للشعب في العهد الناصري وامتداداته حتى سياسة الانفتاح التي أدخلها السادات”. لكن من قال إن الفاعل (تحديدا) هو بالضرورة السلطة في تحديد التعبيرات الثقافية والاجتماعية لمرحلة معينة؟ وهنا كلام الخشاب صحيح جدًا (ومقنع جدًا)، بعد أن ذكر نماذج من أفلام المهندس: «أخطر رجل في العالم» (1967)، و«شنبو في الفخ» (1968)، و«العتبة». الجزاز” (1969). و”قاتل النساء” (1970) و”أنت الذي قتلت البابايا” (1970). «كل هذه الأعمال، رغم خفتها، وربما يقول البعض سخافتها، هي خلاصة خصائص وهزيمة النظام السياسي والاجتماعي في عهد عبد الناصر. ويتم تصوير هذه الخصائص (السياسية والسينمائية) من خلال التهريج والضحك العالي وتمجيد أجهزة الدولة الأمنية بطريقة هي في الواقع سخرية.

باختصار، إنها تحية لفنان الفكاهة، والمعلم العنيد في غيابه، وأحد أساتذة الكوميديا ​​العربية، واسمه فؤاد المهندس، وتحية لمؤلف كتاب جدي عنه. ، اسمه وليد الخشاب.

source : www.alaraby.co.uk

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *