“بعض مني”.. كتاب جديد عن الدبلوماسية الثقافية بعد مونديال قطر | ثقافة

مرة أخرى، قال رئيس مكتبة قطر الوطنية د. حمد الكواري، عودة إلى موضوع الدبلوماسية الثقافية، إذ يؤكد الدبلوماسي القطري وزير الخارجية على حتمية الاعتماد على الثقافة كقوة دافعة وداعمة للعلاقات بين الدول، لأنها تشكل البنى العميقة للمجتمع وتصنع من الممكن فهم خصوصيات المجتمعات.

بعد كتابه الذي صدر عام 2024 تحت عنوان “جسور لا جدران.. مقاربة جديدة للعلاقات بين الشمال والجنوب”، يقول د. أصدر حمد الكواري مؤخراً كتاب «بعضي.. الدبلوماسية الثقافية بعد مونديال قطر»، يتناول فيه مكانة الثقافة ودورها في الحياة المعاصرة، ويمنحها دوراً دولياً جديداً كما تفعل لم يفعل. إن قوة الدول لا تقاس بقوة اقتصادها أو حضورها السياسي والعسكري فحسب، بل تقاس أيضاً بمدى قدرة ثقافتها على بناء العلاقات فيما بينها.

يقع الكتاب في 236 صفحة، صدر عن دار الوطن في قطر ومركز الكتاب الثقافي في المغرب. وتضمن العديد من الفصول تناول فيها المؤلف العديد من القضايا، منها التواصل بين الثقافات والتفاعل بينها، والدبلوماسية الثقافية، والقوة الناعمة، وكأس العالم، وسحر الصورة، وتداعيات كأس العالم والإرث الثقافي للدولة. كأس العالم. العالم، التوثيق من منظور عربي، رحلة الكتاب والمكتبة في عالم المعرفة، المكتبات في العصر الرقمي، وغيرها.

ويقول المؤلف إنه بعد كأس العالم 2024 في قطر، التقى بعدد كبير من الأصدقاء من بلدان مختلفة وحركات فكرية مختلفة، وأجمعوا جميعا على أن ما عاشوه خلال المونديال كان بمثابة نوع من الحلم الذي سيكون مستحيلا لو تحقق. ألم يكن أنهم تابعوا مجريات هذا الحدث التاريخي الذي نظمته قطر بمهارة أثارت الإعجاب والدهشة.

الدبلوماسية الثقافية

ويقول المؤلف إنه بعد أن أمضى أكثر من نصف قرن في مجال الممارسة الدبلوماسية والثقافية، أصبح على قناعة بأن فوائد التواصل الثقافي بين الشعوب هي صمام الأمان بالنسبة لهم، بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية وتنوع أعراقهم وتنوعهم. ويشير إلى أن الترجمة هي الأداة الأساسية للثقافة، لكن إتقان لغة أجنبية لا يضمن وحده الفهم. بين الشعوب التي تنتمي إلى ثقافات مختلفة، يتطلب الأمر نوعاً من التثاقف “المشترك بين مختلف الشعوب”. ولا يمكن تحقيقه إذا لم يشمل طرفين ويقتصر على حزب واحد.

قال وزير الثقافة الأسبق والرئيس الحالي لمكتبة قطر الوطنية د. حمد الكواري (الجزيرة)

وبما أن “الدبلوماسية الثقافية” تقوم على المعرفة كوسيلة لتبادل الثقافات بين الشعوب، فإن المعرفة تأتي من الأدب العالمي، “وعلينا أن نعلم أن الأدب ساهم في تحقيق التواصل الثقافي من العصر اليوناني وعصر النهضة العربية والعصر الأوروبي”. عصر النهضة حتى نهاية القرن العشرين.”

ويرى المؤلف أن دولة قطر بعد المونديال ستكون مختلفة عما كانت عليه قبلها، حيث سيتسع نطاق دبلوماسيتها الثقافية لإيمانه بأن التواصل الثقافي بين الشعوب هو أحد شروط محركات التقدم الحضاري.

الثقافة أولاً

قال الشاعر الألماني غوته: “ليس هناك عقوبة أعظم على الإنسان من أن يعيش وحيدا في الجنة، فمن المؤكد أن الوجود دون الآخرين يبدو مستحيلا”، كما أن الإنسان بطبيعته متحضر بمعنى قدرته على التواصل مع الآخرين. وهكذا تصبح المجتمعات متحضرة في اعتمادها على الحاجة إلى التواصل الدولي.

يعتبر المؤلف الثقافة شرطا أساسيا للوجود الإنساني لما توفره من إمكانات للإبداع في مختلف المجالات، ويعتبر الثقافة حجر الزاوية في العلاقات التي يبنيها الإنسان مع أفراد مجتمعه ومع المجتمعات الأخرى. “عندما أدعو إلى أن يكون للثقافة مكان طبيعي في العلاقات الدولية، فإنني لا أعرضها كبديل.” “فيما يتعلق بالسياسة،” يقتبس الناقد الأدبي البريطاني تيري إيجلتون، الذي يقول إن الثقافة هي نتاج السياسة أكثر بكثير من أن السياسة هي الخادم المطيع للثقافة.

ويرفض الكاتب خطاب المقارنة بين الثقافات، ويؤكد أنه لا توجد ثقافة كاملة ونهائية، وأنه لا مجال للادعاء بأن ثقافة ما أفضل من أخرى أو أنها تمتلك المطلب الأساسي لبناء الحضارة الإنسانية. وأن الدبلوماسية الثقافية ليست حديثة حيث تمتد جذورها إلى تربة الحضارات القديمة، لافتاً إلى أن التاريخ الدبلوماسي للحضارات لا يكتبه التاريخ الرسمي، بل كتابات الرحالة الذين تبادلوا الشعوب فيما بينهم.

ويقول الكاتب إن السياسة الدولية تتغير بسرعة، لكن على العرب أن يستلهموا تجارب القوة الناعمة الناجحة ويستمروا في تفعيلها. ويتراجع تأثير الدبلوماسية الثقافية الغربية مقارنة بنمو الدبلوماسية الصينية، الملتزمة بإعادة صياغة “قوانين اللعبة”. وقد أعطت السياسة الخارجية الصينية للموارد الثقافية والاقتصادية دورا مركزيا في تحقيق هذا الهدف.

وأضاف المؤلف أن الدور الصيني يذكره بما لعبته الحضارة العربية الإسلامية في أكثر مراحلها ازدهارا، عندما قدم العرب للإنسانية علومهم وآدابهم، وازدهرت حركة الترجمة بين العرب والشعوب الأخرى، كما أصبح العرب واعي. لأثر التبادل الثقافي على تطور الحضارة الإنسانية، مشيراً إلى فوائد التراث للغرب. الفكرية العربية نموذجاً لطليطلة في القرن الحادي عشر الميلادي التي كانت مركزاً للترجمة جلب للعالم الغربي ثمار اللغة العربية التراكيب المقدمة.

ملصق يوتيوب

وفي فصل بعنوان «الدور الغائب للثقافة في العلاقات الدولية» يقول المؤلف إنه كثيرا ما يعود إلى التفكير في أفكار كتاب «روح التنوير» للفيلسوف الفرنسي تسفيتان تودوروف، أحد أبرز قادة أوروبا. المفكرون والنقاد، الذين يمتدحون هذا الصوت الناقد الذي يعتقد أن الغرب خائن لعصر التنوير. ولم يكن من الممكن أن تكون الأنظمة الشمولية والاستعمارية التي انبثقت عنها نتاج روح ذلك العصر، فأين تقف من قيم العدالة والحرية والتسامح وقبول الآخر، تلك القيم التي هل يدعو فولتير ومونتبيكو وديدرو وغيرهم من المفكرين؟ أين الثقافة التنويرية التي كان من المفترض أن تخلق علاقات دولية متسامحة بين الأمم؟ فهل لا تزال آثار انحرافات هذه الثقافة حاضرة في خطابنا الثقافي المعاصر الذي يدعي احترام الثقافات بينما باسمه يهيمن على الثقافات على حساب الآخرين؟

وينقل المؤلف عن تودوروف قوله: “إننا لا نستطيع أن نحقق هدفاً نبيلاً بالوسائل القذرة، لأن الهدف المنشود يتلاشى في هذه الأثناء. وهذا في الواقع حال المستعمرين الذين أخضعوا شعوباً بأكملها بحجة السماح لها بالتمتع بمبدأ المساواة”. وتصرفت، وهكذا تتصرف اليوم القوى التي تدعي الانتشار هنا وهناك. لقد جلب الحرية للشعب، ولهذا الغرض قصفهم عمدا بالقنابل الإنسانية.

كأس العالم

ويتناول الكتاب تجربة قطر في استضافة كأس العالم 2024 في عدة فصول، ويرى المؤلف أن هذه النسخة من المونديال أعادت الأمل في قدرة العرب على مواكبة وتيرة الحضارة.

وأضاف المؤلف: ‘أجرأ أن أقول إن هذا النجاح الاستفزازي لكل العنصريين في العالم سمح للعرب والمسلمين أن يتركوا وراءهم تلك الصورة التي خيمت على تفكيرهم حول دورهم في العالم، وهي الصورة الاستشراقية هي ذلك لقد صورنا الغرب الاستعماري عمدا وأجبرنا على إقناعنا بأنها حقيقتنا.

وأشار الكاتب إلى أن قطر تمارس الدبلوماسية الرياضية منذ سنوات، حيث تعتبر الرياضة جزءا من استراتيجية السلام الدولي، ونوهت بدور وزارة الخارجية القطرية في السنوات الأخيرة في عدة محاولات وساطة في ملفات سياسية ساخنة وشائكة مثل كاتفاقية دارفور في السودان ولبنان 2008 وأفغانستان 2024 وتشاد 2024.

وفي هذا السياق، رأى المؤلف أن قطر قدمت أفضل مساهمة ممكنة للثقافة العربية من خلال إنقاذها من الصور النمطية غير العادلة التي يكرّسها الغرب في إعلامه وسينماه.

وتضمن الكتاب مجموعة من التوصيات، منها مقترحات لتعزيز اللغة العربية وتطوير مكانتها، إذ يرى الكاتب أن لكل مرحلة نظامها الثقافي الخاص، وينبغي النظر جدياً في خلق هذا النظام بين أوساط جديدة أكثر واقعية وفعالية. شروط. الظروف مما كانت عليه في الماضي. إن التحولات التي تمر بها المنطقة العربية هي مهمة ولادة المرحلة الصعبة. الجديد والحاجة إلى الدبلوماسية الثقافية لا يمكن استبعادها من هذا النظام الجديد في وقت يعيش فيه العرب استئنافا حقيقيا لحضارتهم.

source : www.aljazeera.net

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *