الكتب الطاردة | حسن مدن

دكتور حسن مدن

فكما أن هناك كتبًا يمكن أن نطلق عليها “كتبًا جذابة”، هناك كتب أخرى يمكن أن نصفها بأنها “كتب مثيرة للاشمئزاز”. الأول يثير اهتمامنا ويمتعنا ونحن نقرأه وندخل إلى عالم مؤلفيه، أما الثاني فيترك أثراً معاكساً فينا. نشعر بالاشمئزاز منها، وتتلاشى رغبتنا في الاستمرار في قراءتها، حتى لو كانت عناوينها، وربما أسماء مؤلفيها، قد لفتت انتباهنا في البداية ودفعتنا إلى قراءتها.

وسأناقش هنا جانبا من تجربتي المتواضعة في تلقي النوع الثاني، أي الكتب البغيضة، باعتبار أن الكتب الجذابة تكفي للوصف الذي قدمناه لها، لأنها تقدمنا ​​بشكل جذاب في عوالمها المغرية. لذلك لن نتحدث عنها هنا سأتحدث عنها طويلا، وبناء على التجارب الأخيرة سأتحدث. وكما هي عادتي عندما أسافر بالطائرة، أتأكد أن بين يدي كتابا أحاول أن أقرأ به موعد الرحلة، وأتأكد دائما أن هذا الكتاب عبارة عن رواية قصيرة أو مجموعة قصص كان ذلك ممكنًا، وإذا استغرقت الرحلة بضع ساعات، فيمكنني إنهاء الرواية، أو على الأقل جزءًا كبيرًا منها، لأنها كذلك. كما قلنا، فهو قصير، وينطبق الشيء نفسه على الكتاب إذا كان عبارة عن مجموعة من القصص القصيرة.

في رحلتي الأخيرة أخذت معي رواية لأقرأها، وحالما أعلن فريق الطائرة استعدادهم للطيران وطالبوا بإغلاق الهواتف المحمولة وما شابه، فتحت الصفحات الأولى من الرواية، و منذ البداية شعرت بأنني عالق في قراءتها: لغة معقدة وجافة ومجموعات فاشلة من الجمل والأشياء السلبية. وبما أنها رواية مترجمة من الفرنسية إلى العربية، فقلت في نفسي: ربما يكون الأمر بسبب سوء الترجمة وعدم قدرة المترجم، وهو الأمر الذي أكاد أجزم به، لكن التجربة أثبتت لنا أيضا أننا تعلمنا أن ننظر في الشخصيات والأحداث في الرواية المترجمة، شيء يريحنا بسبب سوء ترجمتها، وهذا ما لم أشعر به. هذه الرواية تجعلني أقرأ الصفحات الموجودة فيها.

ومضى بعض الوقت وأنا أقرأها حتى وصلت إلى صفحة وجدت فيها خط قلم تحت أحد السطور. كنت في حيرة من أمري بشأن هذه القضية في ذلك الوقت. ما أنا متأكد منه هو أن من اشترى هذه الرواية من مكتبة أو معرض للكتاب ولم يستعيرها من أحد كان قد قرأها وأعجبته تلك الجملة، كما لم أفعل. “لقد أعرتها للجميع للقيام بذلك. وبعد أن حاولت تذكرها، أدركت أنني أنا من كتب… سطرًا واحدًا ونسيه”. إذا أردنا أن نتناص مع البيت الجميل من الشعر العربي: “كتب في الهوى سطراً ومحي”، وفي تلك اللحظة أدركت أنها ليست المرة الأولى التي أحاول فيها قراءة هذه الرواية، فأرسلتني بعيداً أو لقد أرسلتها بعيدًا، لكن نظرًا لعدم وجود أي شيء مقنع فيها، فقد نسيت حتى محاولة قراءتها الفاشلة التي فعلتها من قبل.

[email protected]

source : www.alkhaleej.ae

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *