الجيش الإسرائيلي يعلن «تكثيف» ضرباته على قطاع غزة

الجبهة المنسية: لماذا أصبحت سوريا مصدر إزعاج لروسيا؟

لسنوات، حددت روسيا لنفسها مهمة مشتركة مع إيران لطرد الولايات المتحدة من سوريا، أو بالأحرى من الشرق الأوسط بأكمله. ومع ذلك، فإن الغزو الروسي الموسع لأوكرانيا وما تلا ذلك من تسوية متزايدة مع طهران كان له تأثير عكسي، مما أدى إلى زيادة الوجود الأمريكي في المنطقة، وفقًا لدراسة حديثة نشرها موقع مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي.

ويظهر التحقيق أن واشنطن أصبح لديها أخيرا مبرر واضح لمواصلة حملتها في سوريا. كلما زاد تورط روسيا في الشرق الأوسط، كلما أصبح من الصعب على موسكو التعامل مع أوكرانيا.

والوضع في سوريا نفسها يتصاعد، وتتعامل روسيا أيضاً مع مشاكل دمج ما تبقى من قوات فاغنر في القوات الروسية هناك، بعد تفكيكها والموت الدرامي لقائدها يفغيني بريجوزين.

وهذه الصعوبات المتزايدة تجعل البلد الذي مزقته الحرب مصدر إزعاج لموسكو وتقوض الآمال في ألا تصرف سوريا انتباه قادة روسيا عن الحرب في أوكرانيا.

صورة من مقطع فيديو أمريكي تظهر مدى اقتراب الطائرة المقاتلة الروسية من المسيرة الأمريكية فوق سوريا في 23 تموز/يوليو (AP)

ومنذ ربيع العام الجاري، كثفت روسيا أنشطتها في المجال الجوي فوق سوريا. وبالإضافة إلى الهجمات على المسلحين، يستهدف هذا النشاط أيضًا القوات الأمريكية الموجودة في البلاد. وتحلق طائرات حربية وطائرات مسيرة روسية فوق المنشآت العسكرية الأمريكية، في انتهاك للاتفاقيات المبرمة بين القوتين والتي تحدد مجال الطيران. وقد أبلغ الجيش الأمريكي مرارا وتكرارا عن مناورات خطيرة قام بها طيارو القوات الجوية الروسية، في حين يدعي الجيش الروسي بدوره أن حوادث الجو هي نتيجة لانتهاك الأمريكيين للاتفاقيات.

كان احتواء الولايات المتحدة بالفعل جزءًا من مهمة القوات الروسية في سوريا، ولكن في السابق كان ذلك من مسؤولية القوات البحرية إلى حد كبير. والآن تضطر موسكو إلى تحويل تركيزها إلى الطيران، لأنه لم يعد هناك أي سفن روسية في البحر الأبيض المتوسط. وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، أغلقت تركيا مضيق البوسفور أمام السفن العسكرية، مما أدى إلى عزل أسطول البحر الأسود الروسي عن سوريا.

التنسيق مع إيران

وتزامن تزايد الحوادث بين الطائرات الحربية الروسية والأميركية مع تصاعد الاشتباكات بين الأميركيين وحلفائهم الإيرانيين في سوريا. وبحسب تسريبات إعلامية، فإن طهران وموسكو تنسقان تحركاتهما في إطار جهد مشترك لإخراج واشنطن من المنطقة. وبينما يضغط الطيران الروسي على الولايات المتحدة في السماء، تشن القوات الإيرانية ضربات صاروخية على أهداف أمريكية في كل من سوريا والعراق.

وتهدف هذه الهجمات إلى “التخويف” وليس التسبب في أضرار، وعادةً ما تخطئ الصواريخ الهدف عمدًا وتنفجر في مكان قريب. لكن هذا ليس هو الحال دائمًا، حيث أدت بعض عمليات إطلاق الصواريخ إلى مقتل وإصابة أفراد في القاعدة الأمريكية. وبعد هجوم مماثل عام 2020، أمر الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب بقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني.

التصعيد الأمريكي

وتعتقد الدراسة أن جهود روسيا وإيران لإخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط لها تأثير معاكس تمامًا مع تزايد الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.

وفي يوليو/تموز، أرسلت واشنطن المدمرة يو إس إس توماس هودنر مع مقاتلات من طراز F-35 وF-16 إلى الخليج العربي للانضمام إلى القوات المتمركزة هناك. وبعد بضعة أيام فقط، تمت إضافة سفينتين أخريين تحملان قوات إنزال بحرية، بهدف “حماية السفن التجارية من الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة”. ونتيجة لذلك، وصل عدد القوات الأمريكية في الخليج إلى أعلى مستوى له في السنوات الأخيرة.

سرب من طائرات A-10 حلق فوق المدمرة يو إس إس ماكفول خلال عمليات في الخليج أمس الثلاثاء (أ ف ب)

ولمواجهة “السلوك غير المهني” للطيارين الروس فوق سوريا، تم إرسال مقاتلات إضافية من الجيل الخامس من طراز F-22 رابتور مباشرة إلى سوريا. ويزعم الجيش الأمريكي أن هذه الطائرات الإضافية ستساعد في ردع مثل هذا السلوك.

وتظهر الدراسة التي نشرتها مؤسسة كارنيغي أن الإجراءات الأميركية تتجاوز نشر وحدات جديدة. وفي أواخر الصيف، حاول الأميركيون توحيد جميع قوات التحالف في سوريا، بما في ذلك الكيانات القبلية العربية، في تحالف واحد حول القاعدة الأميركية في التنف و”قوات الدفاع المسلحة”. سوريا الديمقراطية” التي يتكون عمودها الفقري من الوحدات الكردية.

وانطلاقاً من الاشتباكات الأخيرة بين الجماعات المؤيدة لأميركا، فإن إنشاء جبهة موحدة ليس بالأمر السهل على الإطلاق. لكن حقيقة قيام الولايات المتحدة بهذا الجهد تشير إلى أن واشنطن لا تنوي الاستسلام للضغوط الروسية الإيرانية في سوريا، خاصة وأن أي توترات إضافية في سوريا تصرف انتباه موسكو عن أوكرانيا.

المعضلة الروسية

إن هدف روسيا المتمثل في الحفاظ على وجود متواضع نسبيا في سوريا، دون موارد مالية مفرطة ودون تحويل الانتباه عن الجبهات الأوكرانية، أصبح غير واقعي على نحو متزايد، لأسباب ليس أقلها الوجود الأمريكي المتزايد الناتج عن تصرفات موسكو الاستفزازية هناك.

من الاحتجاجات ضد النظام في السويداء (السويداء 24)

ومع ذلك، هناك مشاكل أخرى لا تتعلق مباشرة بروسيا. استعادت الحكومة السورية السيطرة على معظم أنحاء سوريا، لكن هذا لا يعني بالضرورة العودة إلى الحياة الطبيعية. أصبح الجوع والفساد جزءًا لا يتجزأ من المشهد الاجتماعي والاقتصادي المحلي، وبحلول نهاية الصيف اندلعت احتجاجات كبيرة في العديد من المناطق الخاضعة لسيطرة دمشق، والتي تضمنت أحيانًا اشتباكات واسعة النطاق. والوضع هناك خطير لدرجة أن السلطات فقدت السيطرة جزئياً على محافظة السويداء.

الوضع في سوريا أبعد ما يكون عن الاستقرار، حيث تتزايد حالة عدم الاستقرار ولا توجد حلول للمشاكل الاقتصادية في البلاد. وهذا العام، عادت فلول داعش إلى الظهور في البلاد، سعياً لاستغلال موجة السخط الجديدة.

ويأتي كل هذا في وقت تحتاج فيه روسيا إلى معرفة ما يجب فعله ببقايا جيش فاغنر من المرتزقة. وبحسب ما ورد، فإن المحاولات الأولية لاستبدال فاغنر في سوريا بقوات روسية دفعت القوتين إلى حافة مناوشة مسلحة، وفقًا لدراسة كارنيغي، ويبدو أن ضعف النفوذ الروسي هناك أمر لا مفر منه.

ونفذت “فاغنر” مهام في سوريا رغم سوء معاملتها من قبل وزارة الدفاع الروسية. وتشمل هذه المهام تطوير الموارد النفطية، والتواصل مع المجموعات المحلية، ودعم الوجود الروسي في مناطق جديدة، وإجراء استطلاعات وتقييمات مدنية. ولن يتحول الجيش الروسي بين عشية وضحاها إلى قوة قتالية فعالة للقيام بمثل هذه المهام.

النفط جائزة مغرية

وتؤكد الدراسة أن نتائج هذه الصعوبات يمكن رؤيتها في محاولات القوات الموالية لإيران السيطرة على المناطق التي كانت تسيطر عليها فاغنر سابقًا. ولذلك فإن حقول النفط السورية تعتبر جائزة مغرية للغاية.

إن موقف روسيا في سوريا ليس حرجاً على الإطلاق، لكن بعض التحديات لا مفر منها. لم تفشل سوريا في أن تصبح قاعدة آمنة للقوات الروسية فحسب، بل إنها تولد أيضًا أزماتها الخاصة بشكل متزايد، ولو على المستوى المحلي في الوقت الحالي.


source : aawsat.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *