بقلم عبد الرحمن حبيب
الجمعة 27 أكتوبر 2024 الساعة 2:00 ظهرًا
خاض طه حسين العديد من المعارك على مدار حياته، وقد بدأ تلك المعارك مبكرًا. ولعل أبرزها ما حدث لعميد الأدب العربي وكتابه “في الشعر الجاهلي”. وهناك أيضا معاركه. مع الكاتب الكبير الراحل توفيق الحكيم، والتي تحولت في النهاية إلى صداقة بينهما..
معركة الكتاب في الشعر الجاهلي
دكتور. نشر طه حسين (1889-1973) كتابه المثير للجدل «في الشعر الجاهلي» عام 1926. وذكر في كتابه أن الأدب العربي ظل في تراجع خلال الخمسين سنة الماضية، وقد ابتلي بالتشوهات والتحريفات بسبب مجموعة الذي احتكر اللغة العربية وآدابها من خلال سيادة القانون، وهذا أمر لا يليق بأمة مثل أمتنا. وكانت مصر منذ تاريخها ملاذ الأدب وموطن الحضارة. لقد حمت الأدب اليوناني من الضياع، وحمى الأدب العربي من تأثير العجم ومن قوة الأتراك والتتار..
قال طه حسين في الكتاب: اللغة العربية لغة مقدسة لأنها لغة القرآن الكريم والدين، ولأنها مقدسة لم تخضع للفحص العلمي الصحيح، مما يسبب النقد والنفي والنفي والرفض. شك على الأقل. أما طه حسين فيريد أن يكون تعليم اللغة العربية وآدابها شبيهاً بالعلوم التي نالت حريتها. سابقاً كانت دراسة الأدب العربي اليوم مقتصرة على مدح أهل السنة والإنكار على المعتزلة والشيعة والخوارج والكفار، وليس لذلك أي معنى أو فائدة أو غرض علمي فيما يتعلق بأدب اللغة العربية. الأدب العربي شيء والتبشير بالإسلام شيء آخر. شيء..
وأضاف: “لقد أغلق أتباع القدماء باب الاجتهاد على أنفسهم في الأدب، كما أغلقه الفقهاء في الفقه، والمتكلمون في الكلام. ولا يزال العرب منقسمين إلى بائدين وباقين، وفي معرب ومعرب، القيس صاحب قصيدة «قفا نبك…»، وطرفة صاحب «لخولة أطلال…»، وعمر بن كلثوم «علاء حبي…»، أما أنا – و الكلام هنا من طه حسين – شكك في قيمة الأدب الجاهلي، وبقي متشككا، وانتهيت، حتى الوفرة المطلقة لما نسميه الأدب الجاهلي، لا تعود بأي حال من الأحوال إلى عصور ما قبل الإسلام، ولكن بل أصبحت مشوهة بعد ظهور الإسلام.“.
“ونحن نرى أن ما ذكره المؤلف في هذه المسألة هو بحث علمي لا يخالف الدين، ولا اعتراض علينا عليه. لأنه مما سبق يتبين أن هدف المؤلف لم يكن مجرد الطعن في الدين والتعدي عليه، بل الأقوال المتعلقة بالدين التي ذكرها في بعض المواضع من كتابه. بل قدمها من أجل البحث العلمي، رغم اعتقاده أن بحثه يحتاج إليها، وبما أنه لا يوجد دليل على القصد الجنائي، يتم الاحتفاظ بالأوراق لأغراض إدارية. كان هذا جزءًا من التقرير الذي كتبه «محمد نور» الذي حقق مع الدكتور طه حسين عن كتابه «في الشعر الجاهلي» الذي أحدث أزمة كبيرة في العشرينيات من القرن الماضي، وتبقى هذه القضية نموذجًا يجب الاقتداء به. عبر العصور في التعامل مع الفكر والثقافة والبحث العلمي. وهذا ما أراد الروائي الكبير خيري شلبي أن يقوله في كتابه “محاكمة طه حسين” الذي كررته الصحيفة. وقد نشرته القاهرة بالتعاون مع الهيئة المصرية العامة للكتاب في عددها الأخير.
في 30 مايو 1926، تقدم الشيخ حسنين، الطالب بقسم الدراسات العليا بالأزهر، ببلاغ إلى النائب العام ذكر فيه د. طه حسين “الأستاذ بالجامعة المصرية” متهم بتأليف كتاب بعنوان “في الشعر الجاهلي” ونشره للجمهور. هذا الكتاب يهاجم القرآن بشكل صريح..
وربما كان هذا التقرير قد حفظ ولم يحظ باهتمام كبير لولا أنه “في 5 يونيو 1926 أرسل شيخ الجامع الأزهر كتابا إلى النائب العام يبلغه فيه بتقرير مقدم عن طريق الأزهر” مسجد. العلماء عن كتاب ألفه طه حسين، المدرس بالجامعة المصرية، أسماه “في الشعر الجاهلي” وكذب فيه..
وقد تابع الكاتب الراحل خيري شلبي هذا النضال من خلال كتابه “محاكمة طه حسين”، والكتاب في مجمله هو نص البحث الذي أجراه النائب “محمد نور” مع د. أُعدم طه حسين عام 1926 بعد تلك التقارير. دعوى من الشيخ خليل حسنين، الطالب بالجامع الأزهر، ومن مشايخ الجامع الأزهر، وعبد الحميد البنان، عضو مجلس النواب، يتهم فيها د. طه لنشر وتوزيع وعرض للبيع في المنتديات والمتاجر العامة كتابا بعنوان ‘في الشعر الجاهلي’، فيه شوه وتدنيس للدين الإسلامي..
واللافت أن هذه التقارير قدمت من الفترة ما بين 30 مايو 1926 و14 سبتمبر من العام نفسه، إلا أن النيابة العامة كانت تنتظر وصول د. طه حسين الذي كان خارج مصر، ومن ثم بدأ التحقيق..
ويشير نص الدراسة المنشورة في كتاب خيري شلبي إلى الثقافة التي كان يتمتع بها “محمد نور”. ولم يستبعد شلبي أن يكون نتاجا للحركة الثقافية التي أحدثها طه حسين في الشارع المصري، وانتهت القضية مع الدكتور. تبرئة طه حسين مما نسب إليه..
معارك طه حسين مع توفيق الحكيم
وشهدت علاقة طه حسين بتوفيق الحكيم عدة تقلبات وتحولات، أغلبها ارتبط بصدور كتاب طه حسين أو الحكيم، وردود أفعال طه حسين وتوفيق الحكيم. مع توفيق الحكيم: “لقد تشاجرت مع توفيق الحكيم، أو تشاجرني توفيق الحكيم، فاسأله إن شئت عما تركت، فهذا الخصومة في نفسه، ولا تسألني عما هذا” لقد بقيت الخصومة في داخلي، والجميع يعلم أن الخصومة بيني وبين الناس، مهما بلغت حدتها، هي أقل خطورة وأقل خطورة من ترك بصمة علي.“.
بينما قال توفيق الحكيم عن مشاجرته مع طه حسين: الخلاف بيني وبين طه حسين كان خلافًا أدبيًا بحتًا، لكن د. وأراد طه أن يضيف إليها عنصرا سياسيا ليظهرني في صورة يهوذا ونفسه في صورة المسيح.!
ونشأ الخلاف بين الكبيرين طه حسين وتوفيق الحكيم، بسبب مسرحية «شهرزاد» التي كتب عنها توفيق الحكيم والتي كتب عنها طه حسين، وكان رأيه هذه المرة سلبيا. وقال: «مؤلفه توفيق الحكيم يحتاج إلى قراءة فلسفية أكثر». وهذا ما أثار غضب توفيق الحكيم، فأرسل إلى طه حسين ليخبره أنه يقرأ في الفلسفة أكثر منه، وأنه لا يحتاج إلى نصيحته..
إلا أن طه حسين كان له رأي يزيد من أهمية مسرحية توفيق الحكيم “أهل الكهف”. وقال في صحيفة الوادي: “إنه حدث في تاريخ الأدب العربي، ويشبه أعمال كبار الكتاب الغربيين”. بدأت المجلات والصحف تتحدث عن مسرحية “أهل الكهف” وشخص صاحبها، وصحيفة البلاغ تكتب عنها: إنها تضاهي أعمال موريس ميترلينك ولا تقل عن ذلك، وأن شخصا ما كتبها ميترلينك من مصر، وهكذا، وسط ضجة في الأوساط الأدبية، برز اسم توفيق الحكيم كأعظم كاتب مسرحي في اللغة العربية..
وتابع طه حسين حديثه عن أهل الكهف وأضاف: نعم هذه القصة حادثة خطيرة تؤذن بعهد جديد في الأدب العربي ولا أدعي أنها حققت كل ما أريد للقصة التمثيلية في لغتنا العربية. الأدب، وأنا لا أدعي أن كل العيوب قد تم علاجها، بل على العكس، ستكون لي مع الأستاذ توفيق. “الحكيم رواية، ربما لا تخلو من بعض الصعوبة، لكني مع ذلك لا أتردد في القول إنها أول قصة تمثيلية حقا، ويمكن القول إنها أغنت الأدب العربي وأضفت إليه ثراء لم يسبق له مثيل”. ، ويمكن القول إنها رفعت مكانة الأدب العربي وأتاحت إثباته للأدب الأجنبي الحديث والقديم، ويمكن القول أن المهتم بالأدب العربي من الأجانب سيقرأه خالصا إعجابًا، دون تعاطف أو شفقة أو رحمة لطفولتنا الناشئة.
source : m.youm7.com